( ماذا يحدث على أرض الشيشان؟ )
للشيخ : ( سعد البريك )
إن لنا إخواناً في بلاد شتى يعانون الجوع والخوف والفقر، وينتظرون الموت في كل لحظة، ومن هذه البلدان الشيشان، وهي البلاد التي عانت الأمَرَّين من الروس الشيوعيين والنصارى الحاقدين الذين يريدون إبادة الإسلام وأهله، وقد قاموا بذلك مراراً وتكراراً، ولكن يأبى الله إلا أن ينصر جنده ويخذل أعداءه ولو كره الكافرون.
غمط المسلمين وحقوقهم
الحمد لله وحده لا شريك له، الحمد لله القائل: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35] والقائل عز شأنه: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة:14] والصلاة والسلام على رسوله وسيد أنبيائه ورسله وخلقه، محمد بن عبد الله القائل: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) والقائل صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا).
أحمد الله سبحانه حمداً يليق بجلاله، وأثني عليه الخير كله، وأزكى الصلوات والتسليمات الطيبات المتتابعات، على نبي الرحمة وإمام الهدى.
ثم أما بعــد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
معاشر المؤمنين: في هذا العصر تتكشف أقنعة الممثلين والمزورين، الذين يدعون الوقوف إلى جانب العدل والحرية، ولكن شرط انكشاف الحقيقة أن تكون القضية متعلقة بالمسلمين، فإن كان الأمر متعلقاً باليهود أو بالنصارى أو بأعداء المسلمين على أي ملة أو فرقة، وفي أي موقع وجهة، فلك أن ترى العدل والمساواة والحرية وحقوق الإنسان، وأما إذا تعلقت القضية بالمسلمين، الذين يقولون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويشهدون أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ ستنكشف الحقيقة، ويظهر لك تزوير العدالة، وتعتيم الحقيقة، وتضليل المساواة، وهراء دعوى حقوق الإنسان.
أيها الأحبة: في هذه الفترة يقطع المسلمون بيقين أن الأعداء من اليهود والنصارى ومن تابعهم وشايعهم ووافقهم، لا يكفيهم من المسلمين ولا يرضيهم إلا أن يروا المسلمين قطعاناً مسخرة في أرض الكفر، مستعبدين لا يعترضون على جور، ولا يطالبون بحق وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
واسمحوا لي أن أنقلكم نقلة إلى أرض ملتهبة على سطح جليدي بارد، حيث الجمهوريات الإسلامية، وما أمرها عنكم بخفي، لقد طالبت جمهوريات المسلمين باستقلالها وطالب غيرهم، فنالت لتوانيا وغيرها، وكل جمهورية نصرانية أو ملحدة أو وثنية نالت استقلالها فوراً، وعلى ترحيب سريع ومبادرة واتفاق لم تطلق في سبيل ذلك طلقة، ولم يعجم لذلك فم، ولم يكتم في ذلك نفس، وإنما نال الكفار حقوقهم بمجرد الطلب، بل بالإشارة.
لقد طالبت جمهوريات المسلمين باستقلالها، بعد تهلهل الاتحاد السوفيتي وبعد سقوطه، وبقي الاتحاد الروسي فنال كل نصراني حقه، وتبوأ كل يهودي موقعة، بكل قناعة وعدالة ديمقراطية نسبية، لكن هذه الديمقراطية الفضفاضة لم تتسع للمسلمين، بل ضاقت جنباتها، وشرغ حلقها بنفس المسلمين وريقهم.
لقد ضاقت هذه الديمقراطية بحق أدنى مسلم، أو أصغر مسلم يريد أن يبني مسجداً يركع ويسجد لله فيه، وضاقت جنباتها على كل مسلم يلتمس مصحفاً يتدبر فيه كلام الله، أو يربي ولده على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وضاقت جنباتها بكل المسلمين، أو بأي جماعة من المسلمين حينما يريدون أن يحكم حياتهم شريعة ربهم عز وجل.
ولا أخالكم الآن تفكرون إلا في قضية الشيشان والبوسنة والهرسك بالتبع، ويلحقها قضايا المسلمين الأخرى في كل مكان، لماذا يرفض الغربيون الكذب والخداع، وتظهر الفضائح في وكالات الإعلام الغربية لكل من خادع الشعوب الغربية؟ يرفض الغربيون الكذب والخداع في إطار مصالحهم، ويشنع إعلامهم وتنبح صحافتهم على كل من خدعهم، في استراتيجياتهم ومستقبل مصالحهم، لكن هذا الإعلام النابح لا يتردد عن أن يعتم عن الحقائق ويضلل المعلومات حينما تمت إلى المسلمين بأدنى صلة.
شدة عداوة الروس للمسلمين
لقد أعلن الروس أنهم لا يعادون الإسلام والمسلمين، في وقت كانت الدبابات تسحق أطفال المسلمين، والمجنزرات تطوي أبدان العجائز والشيوخ بين جنباتها، والطائرات تقصف بيوتهم في أرجون و قروزني، ولم يكف الزعيم الروسي عن الدجل والكذب، مدعياً أنه أصدر أوامره بوقف القصف والزحف على الشيشان ، في الوقت ذاته كانت المحطات الفضائية تبث مشاهد المذبحة والاجتياح الشرس.
قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي
لقد مرت الإبادة القيصرية والماركسية وقهرت المسلمين في أذربيجان وطاجكستان، بمساعدة الأرمن النصارى، والشيوعيين واليهود، وانتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي، ولن يعي الأغبياء في الاتحاد الروسي تلك النهاية الناطقة بوحدانية الله وقدرته، حيث ظن المسلمون واستبعدوا سقوط الاتحاد السوفيتي، وظن الشيوعيون أن حصونهم وسلاح الدمار الشامل، وكل ما ادخروه لمواجهة حلف الأطلسي، ظنوا أن ذلك يمنعهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، ورأى المسلمون فيهم آية من أعظم الآيات.
سقطت الشيوعية بأيدي رجالها، وتحطم الصنم وهوى تمثال لينين، وبالت فوقه الكلاب والقطط، إن الاتحاد الروسي لم يع هذا الدرس، ولم يعتبر بتلك النهاية، فعاد يدعم الصرب المعتدين بالسلاح والجند جهاراً نهاراً، غير مبال بأي قرار دولي يحضر السلاح في المنطقة، وغير خاف على كل متتبع لأخبار المسلمين، أن آخر هدية قدمها الروس لإخوانهم الصرب أربعة آلاف عربة قطار، مملوءة بالذخائر والأسلحة والعتاد، ناهيك عن الطائرات التي نقلت الجند لأجل حصار بيهاتش ، ونزعها من يد المسلمين بعد أن حررها المسلمون.
لم يقف أولئك الظلمة على هذا الحد، بل جندوا كل المرتزقة في حرب المسلمين في الشيشان، ومنذ أيام قليلة وقف العالم بأسره ليشاهد الفصل الأخير للنهاية الشيشانية، ظناً من الغرب ويقيناً من الروس، وجزعاً من المسلمين، أن الهجوم الشامل على الشيشان ، والتعبئة العامة في مواجهة المسلمين لن تدع لهم بعد ذلك عيناً تطرف، ولن تدع لهم فرصة للمواجهة، سواء بضع ساعات، وكما يسمونها رقصة الديك أو حركة الانتحار.
ففوجئ الروس أن صوتاً إسلامياً صادقاً، ونزعة جهادية طالما اشتاقت لمواجهة الكافرين في ساحة من ساحات الجهاد، قد انبعثت بين ذرات الهواء ونسمات الأفئدة، وتحركت من تحت أنقاض المدن المقصوفة، وإذا بزعيم يخرج للحرب لابساً كفنه، والجيش من ورائه قد لبسوا الأكفان، وهذا هو الذي وقع قبل أيام على حدود قروزني العاصمة الشيشانية، خرج القائد متكفناً لا يريد إلا الموت، وخرج الجند وراءه بالأكفان، لا يريدون إلا الموت، مع تكبير يرجف الأرض رجفاً، ويدوي بين الجبال.
وإذا بكتيبة من عملة المجاهدين الصعبة الشباب العرب قد انضمت إليهم بين عشية وضحاها، تسللت ولاذت وتحركت من طاجكستان ومن البوسنة ومن كل أرض فيها نفوس أبية تتمنى الموت في سبيل الله، فراع هؤلاء الكفار ذلك التكبير والنشيد، نشيد الغرام والحب والشوق إلى الموت والشهادة في سبيل الله، يقول قائلهم ويرددون وراءه:
لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمـى لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما
لبيك إن عطش اللواء سكب الشباب له الدماء
لبيك.
.
لبيك.
.
لبيك.
في هذه الأيام تقدم الروس إلى العاصمة الشيشانية، وكأنهم يرددون ما قاله أبو جهل يوم بدر: لنقاتلن محمداً وصحبه، فلنقتلهم ولننحرن الجزور بأرضهم، فتغني القيان، وتسقينا الخمر، وتسمع بنا العرب، فلا تزال تهابنا الدهر أبداً، خرج الروس إلى الشيشان ينفقون أموالاً ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36] خرجوا بطراً ورئاء الناس، لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولما تقدموا خطوات إلى العاصمة الشيشانية قروزني راعهم وهالهم جيش حداؤه التكبير، وأمنيته الشهادة، وحل بالروس ما لم يكن في حسبانهم، وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون.
حل بالروس مذبحة طالما اشتقناها لتشفى صدورنا -يا عباد الله- طالما اشتقنا في الكفار ذبحاً و قتلاً، ودماء ونزيفاً يشفي صدورنا من كل عرض اغتصب، ومن كل طفلة انتهكت، ومن كل امرأة تعاقب عليها الكفار في عفتها، ومن كل مسلم طردوه من بيته، وأحرقوا زرعه وسلبوا ماشيته، من كل شاب عفيف فعلت به الفاحشة، طالما اشتقنا إلى مذبحة، يشفي بها الله صدورنا وقلوبنا من هؤلاء الكفار.
حل بالروس مذبحة لن تبلغ وكالات الإعلام الدولية نصف وصفها بل ولا ربعها، ثم طفق المسلمون الشيشان مسحاً بالسوق والأعناق في رقاب الروس وأقدامهم، وانضمت كتائب العرب يرسلون من كل حدب إلى الشيشان، ورأى الروس نار المعركة فظنوا أنهم مواقعوها، ولم يجدوا عنها مصرفا، وفي تلك اللحظات يفيق الروس لحظة من سكر التسلط والقهر، ليسمعوا من يهودي يدعى كيسنجر قوله: إن المضي في هذا الهجوم قد يسقط الرئاسة الحالية.
ولو شاء لقال: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14] إن المضي في هذا الهجوم يثير حفيظة المسلمين من جديد.
إن احتدام النار في جوف الثرى أمر يثير حفيظة البركان
ثم امتنع ستة من الجنرالات عن مواصلة المعركة، وتدخل خنزير نجس من الغرب لينصح الروس بعدم المضي في هذا الطريق، الذي يفجر الجهاد ويستثير حمية المسلمين كلهم، وربما اندلعت عدوى الجهاد إلى الأنقوش و القوقاز وإلى كل مكان، نصح ذلك الخنـزير قومه وأولياءه بعدم المضي في هذا الطريق، الذي يفجر على الأرض موقعاً جديداً.
أيها المسلمون: بشروا القاتل بالقتل ولو بعد حين، لقد تفرج الطواغيت على رحلة الهروب وهم يضحكون، تفرجوا على رحلة الهروب من الجحيم إلى الموت، هروب العجائز والشيوخ والأطفال والنساء، ووقفوا يقهقهون على صور النائحات والثكالى على أبنائهم، تحت أنقاض المنازل بعد القصف، وما هي إلا أيام ثم دارت رحى الحرب من جديد.
وفي القتلى لأقوام حياة وفي الأسرى فدى لهم ورق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:5] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحث على الدعاء للمسلمين في الشيشان والبوسنة
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعــد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
معاشر المؤمنين: قد يقول قائل: ليس الحدث بجديد، فلماذا تسوقه؟ فأجيبه: نسوق هذا الحدث حتى نبذل أقوى وأشد وأفتك سلاح نملكه وهو الدعاء قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] .
.
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ [الصافات:75] .
.
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] .
.
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] .
.
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].
أسوق حدثاً ربما فيكم من هو أدرى به مني، من أجل أن نطالبكم ونناشدكم ونسألكم دعوة واحدة في كل سجدة لإخوانكم المسلمين في الشيشان وفي البوسنة وفي كل مكان، فلن تعدم الأمة من شخص تجاب دعوته، نسوق هذا الحدث حتى نزداد قناعة باليأس، ونزداد يقيناً بالتشاؤم من كل نظام لا يحكم بالإسلام.
فلا ترج السماحة من خبيث فما في النار لضمآن ماء
القلوب والتشاؤم ندعو إليه من كل نظام لا يحكم بالإسلام، فليس للإسلام والمسلمين رحمة ولا عدالة، ولو ادعى العدل والحرية هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران:119] تلك الأنظمة: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] تلك الأنظمة: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105] تلك الأنظمة: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109].
شتان بين الفريقين
نسوق هذه الحادثة لنعلم أن فجر المسلمين قادم، ولكن من أين؟ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124] لنعلم أن فجر الإسلام قادم، وأن ساعة الصفر باتت وشيكة، وأن أمة الإسلام تتجاذبها سنن الله من كل جانب، حتى يلتقي الماء على أمر قد قدر، إن فجر الإسلام قادم، فقد يكون من مهبط الرسالة، وقد يكون من أرض الأعاجم، وقد يكون في أرض الزنج، وقد يكون في أفريقيا اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124].
وليس بين بلاد وبين الله نسب إلا بالتقوى، وشرفنا وعزنا وأمنيتنا أن نكون أهل هذا الشرف، قادة الركب وهداة الأمة ولكن لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] ليست المسألة بالأماني وإنما هي لمن أمهرها أرواحاً وعقولاً وأموالاً ودماء، وإن نتولى أو ننكص على أعقابنا، أو نرجع القهقرى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] .
.
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
ونسوق هذه الحادثة، لنعلم أن الإسلام إذا دخل المعركة تغيرت الموازين واختلفت الحسابات.
إن المخططين العسكريين، والحسابات العسكرية، مبنية على تصور معركة بين فريقين أو فرق، كل فريق ينافح ويناضل ويقاتل من أجل الحياة، أما إذا دخل الإسلام المعركة، فإن الحسابات تتبدل وتتغير؛ لأنها حسابات لفريقين، أحدهما يتمنى الموت ويشتاق للشهادة، كما ودع الصحابة من خرجوا لغزو الروم، فقال أحدهم لـعبد الله بن رواحة: ردكم الله سالمين، فقال ابن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا
وضربة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جسدي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
الحسابات حينما يدخل الإسلام المعركة، فإنها بين فريقين: فريق يريد الحياة بنعيمها الزائل، وشبابها المنتهي بالهرم، وصحتها التي يعقبها السقم، وعزها الذي يكدره الذل، وغناها الذي يشوبه الفقر، في مواجهة فريق يدخل المعركة، وهو يريد جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يريد جنة فيها خلود ولا موت، يريد جنة لا يجدون فيها ظمأ ولا سقماً ولا ألماً ولا هرماً.
نسوق هذا هدية لكل شاب نشيده:
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن أحن يومي شهيداً بفتية يصابون في فج من الأرض خائف
عصائب من شيبان ألف بينهم تقى الله نزالون عند التزاحف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف
أيها الأحبة في الله: إن الشيوعية ولت، وبقي أذنابها في أخاديد من الأرض، فسلط الله عليها من سلط حتى انتهت، إن الشيوعية أرض بلا سماء، ويوم بلا غد، إنها الشيوعية كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39]، إنها الشيوعية: سعي بلا غاية، وعمل بلا نتيجة وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم يا ودود .
.
يا ودود .
.
يا ودود يا ذا العرش المجيد! اللهم يا منزل الكتاب، ويا هازم الأحزاب، ويا منشئ السحاب، أسألك اللهم أن تنـزل بأسك وبطشك وعقابك وعذابك وأليم بأسك بالصرب والروس واليهود ومن شايعهم، بقدرتك التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم أنزل بهم بأسك وعجل هلاكهم، اللهم أهلكهم بريح صرصر عاتية، وأهلكهم بالطاغية، ولا تجعل لهم باقية.
اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم غاية، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم يا قوي يا عزيز.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.