أبو عمر السيف: ''نحن لن نرى العلماء يعلمون المسلمين في ميدان الجهاد''
آخر تحديث: 26 فبراير 2010, 21:22
فترة الاصدار: 26 فبراير 2009, 21:22
الهداية والضلالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فإن قِوام ألدين ونُصرته يكون بالكتاب الهادي وبالسيف الذي ينصر كما قال الله تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } {الحديد25}.
وهذا ما سار عليه الصحابة رضي الله عنهم الذين تمسكوا بالكتاب وبالجهاد فحصَل لهم ألتمكين ألتام في الأرض لكمال إيمانهم وأعمالهم الصالحة وقد قال الله تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } {النور55}.
وَ عِندَما نَقَص قِيام مِن بَعدِهم بما أوجب الله عليهم مِن ألتَمَسُك بِالكِتاب وَالجهاد َنقَص تمكينَهم بِحسب ما َنقَصَ مِن تَمَسُكِهِم بِالكتاب وَالجهاد في سَبيلِ الله.
ومِنَ الظواهِر التي أضَعفَت الأمة وأَخَلَت في صِفة مِن صِفات الطائفة المَنصورة وَفرّقت بَينَ العلمِ وَالجِهاد هي قلّة من يَنصُر مِن طَلبة ألعِلم إلى أرض الجهاد.
وَقَد قال صلى الله عليه وسلم:
{لا َتزالُ طائفة مِن أُمَتي يُقاتِلونَ على ألحَق ظاهِرينَ إلى يَومِ القِيامة} رواه مسلم.
فلا تَكاد تُرفع راية جِهاد في بَلد مِن أَلبِلاد إِلا وَتَرى المجاهدين يَتَسابَقونَ إلى أرضِ أَلجهاد يَبتَغونَ القَتل أَو المَوت مَضانة, وَلكِن لا تَرى بَينَهُم مِن طلبةِ العِلم مَن يقوم بِفرضِ الكِفاية في تَعليمِ المُسلِمين في أرضِ الجِهاد وَتوجيهَهُم وَمُخاطَبة الأُمّة عن قَضِيَتِهِم بل تمادى بعضُ المُنتَسِبِين لِلعِلم وَلم يَكتَفي بِخطيئةِ القُعود عَن الجِهاد فَأخَذَ يُخَذِّل المُسلِمينَ عَن الجِهاد وَيُثَبِطَهُم عَن مُقاوَمةِ الغُزاة وَينشُر بَينَهُم الأراجيف وَيُخيفهُم مِن الأعداء.
وَ ما تَعِيشَهُ الأُمّة الإسلامية مِن صَحوةٍ جِهاديّة وِتَجديد لِهذه الفَريضة كان فُرصة لِلِصادِقينَ مِن طَلبةِ العِلم لِلِهِجرة وَالجِهاد في سَبِيلِ الله وَقِيادَة الأمُة وَالسّعي لإِقامَة دين الله في الأَرض وقد قال الله تعالى:
{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } {النساء100}.
فَرغَّبَ اللهُ تعالى بِالهِجرةِ في سَبِيله مُبيناً أن المُهاجِر يَجِد في هِجرَتِه موضعاً يُراغِم فيهِ أعداء الله تعالى وَيُغيظهُم وَيَجِد السِعة وَهِي تَشمل جميع معاني السِعة الّتي بِمَعنى الروح والفَرَج كَسِعة في الهِداية وَالدَعوةِ وَالجِهاد وَمُراغَمَة الأَعداء وَالسِعة في الرزقِ وَالسِعة مِن ألهَمّ وَالكَربِ بِمُجاوَرةِ أعداءِ الله الظالِمين وِالبقاء تَحتَ تَسلُطِهِم وَعَدَم القُدرة على إقامة التوحيد وَتحكيم شَريعةِ الله تحت سُلطانِهم وَالسِعة بمُفارَقةِ الأنداد والطواغيتِ مِن المُرتَدّينَ والقَوانين الوَضعيّة التي تَحكُم البِلادَ والسِعة مِن ضيقِ الاستِضعافِ والذُلِ وِالمَسكَنَةِ تَحتَ حُكمِ الطَواغيت وظُلمِهم إلى حياة العزة وَالقوةِ وَالجِهاد وَالتَمكينِ في الأرض.
و العُلماء هُم وَرثةُ الأَنبِياء فَكَما أَنهُم أَعلم الناسِ بميراثِ النّبوّة فَكذلِك يَجِب عَليِهم أَن يَقُوموا بِحملِ ألرِسالةِ كَما حَمَلَها الأنبِياء.
و أَن يُجاهدوا لِنُصرتِها ويَصبِروا على الأَذى الّذي يَلحَق بِهِم في سَبِيل تَبلِيغِها وأَن يَقودوا الأُمّة في جهاد الأعداء.
ولأِهلِ العِلمِ الصادِقين صِفاتٌ تُمَيّزَهُم عَن عُلَماء السُوء:
و أولها: أَن يَعمَل العالِم بعَلمِه وَأَن يُوافِقَ قَولهُ عَمَلَهُ فإِنَّ العَبدَ كَما أخبَر النَبّي صلى الله عليه وسلم:
(لاتزال قدمه يَومَ القِيامة حَتى يُسأَل عَن أربع :عَن عُمرِه فيما أَفناه ,وَعن شَبابِه فيما أَبلاه, وعَن مالِه مِن أينَ اكتَسبُه وفيما أَنفَقَهُ, وَعَن عِلمِهِ ماذا عَمِل فيه).
و قَد تَضمنَت سُورة الفاتِحة الِهداية إلى العِلم والعَمَل وَهُوَ صِراطَ الّذينَ أنعَمَ اللهُ عَلَيّهِم مِنَ النَبِيينَ والصِدِّيقينَ والشُهداء وَالصالِحين غَيرِ المَغضوبِ عَليهِم اَلّذينَ عَلِموا وَلَم يَعمَلوا كَاليَهود وَمَن فَسَقَ مِن عُلماءِ المُسلِمين ولا الضّالينَ الّذينَ عَمِلوا بِلا عِلمٍ صَحِيح كَالنصارى وَمَن ضَلّ مِن عِباد الأُمة.
قالَ سُفيان إبن عُيّينة رَحِمهُ الله:
(من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى).
وَقَد جَمَعَ اللهُ تَعالى بَينَ هذينِ الصِنفَينِ في كِتابِه كَما في قَولهِ تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } {التوبة34 }.
فَالِهداية إِنمَّا هِيَ بِالعَمَل بِالعِلمِ وَالاستجابة لِلمَوعِظَةِ كما قال الله تبارك وتعالى:
{ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً{66} وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً{67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{68} وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً{69} {النساء66-69}.
فَمَن زَعَمَ مِن المُنتَسِبينَ لِلعِلمِ أَنّهُ مِن أَتباعِ سَلِفِ الأُمَّةِ وَهُوَ كاتِمٌ لِلحَق وَقاعِد عَن الجِهاد وَصاد عَن سبيلِ الله لأَجلِ َعرَضٍ مِنَ الدُنيا فَهُوَ كاذِبٌ في دُعواه بُل هُوَ أشبَهُ الناس بِعُلَماءِ اليُهود المَغضوبِ عَليّهِم الَّذِين قال الله تعالى عَنهُم:
{وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{42} وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ{43} أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{44} {البقرة/43-44}.
وَفي الصَحِيحَينِ قال صلى الله عليه وسلم:
(يؤتى بالرجُل يَومَ القِيامة فَيُلقى في النّار فَتندلق أقتاب بَطنِه فَيدور بِها كما يَدور الحِمار في الرّحى فَيجتَمِع إِليه أهل النار فَيَقولون:يا فُلان مالك ألم تَكُن تأمر بالمعروف؟ وتَنهى عَن الُمنكر؟ فَيَقول: بَلى لقَد كُنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عَن المُنكَر وآتيه).
وَقد شَبّه الله تعالى مَن حَملَ العِلم وَلَم يَعمَل بِه وَعَرَفَ آياتِ الله تعالى ولكِنّه انسَلَخَ مِنها بِالحِمار الّذي يَحمِل كتباً ولا يَنتَفِع بِها وبالكَلب الّذي يَلهَث على الدُنيا وعَلى الضَلال الّذي يَعيش فِيه في جَميع الأَحوال سَواءاً وَعَظَ بِالآيات الّتي تَعلّمها أَو بِغَيرِها أو لم يُوعِظ فَقَد أخلَدَ إِلى الأرضِ ومالَ إِليها بِكليتِه وَأَصبَحَ إتّباع الشيطانِ والهَوى مَسلَكُه وَطَريقه فقال تَبارك وَتعالى:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } {الجمعة5 }.
وقال تبارك وتعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } {الأعراف174 }.
قَال تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176} {الاعراف174-176}.
وَقَد ذَكَر القُرطُبِي رَحِمَه الله تعالى عِندَ تَفسيره لهذهِ الآية أَن هذا الَمثل عام في كُل مَن أُوتيَ القُرآن فَلَم يَعمَل به.
وأما الصِفَة الثانية مِن صِفات طالب العِلم:
فَهِيَ تُبَيين العِلم لِلناس والصَدع بكَلمة الحَق وَقَد قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } {البقرة159}.
فَمَن كَتَمَ العِلم مِن المُنتَسِبينَ لِلعِلم فَهُوَ لَيسَ مِن العُلماء الّذينَ يَستَغفِر لَهُم مَن في السمواتِ وَمَن في الأَرض وَحَتى الحِيتان في الماء والّذينَ جاءَت النُصوص الشرعيّة بِمَدحِهِم وَذَكَر ثوابَهُم بَل هُو مِن الّذين يَلعَنَهُم الله وَيلعَنَهُم الّلاعِنون وإِنّما يَحمِل طالب العِلم على كَتم الحَق وَالخَوف مِن أَصحابِ السُلطة وَمِن بَطشَهُم وَوَسائِل إِعلامِهم وَطَلَبه لمرضاتِهم وَالمكانة عِندَهُم وَحِرصَه على الدُنيا وَمتاعها وَقَد قال الله تبارك وتعالى
{وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } {آل عمران187}.
وقال تعالى:
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } {الأعراف169 }.
فَقَد دَرسوا العِلم على العُلَماء أَو في المدارس أو في.....كَما قال تَعالى:
{وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} {الاعراف169} وَلكِن درسوه دِراسة مُجردة وَلَم يَكُن عَقيدة راسِخة وإِيماناً صادقاً وَلَم يَتَلقَوه تَلقِي الصحابة رَضِيَ الله عَنهُم الّذينَ حَمَلُوه وَصَبَروا على تَبلِيغَه وَمُجهادَة أعداءِه قال الِإمام إبن ألقَيّم رَحمه الله:
(كل من آثر الدُنيا مِن أهلِ العِلم واستَحَبَها فلا بد أن يَقول علىِ الله غَيرَ الحَق في فَتواه وحُكمَه في خَبَره وإِلزامه لأن أحكام الرّب سُبحانَه كثيراً ما تأتي على خِلاف أغراض النّاس ولا سِيَّما أهلِ الرِياسَة وَالّذي يَتّبعونَ الشهوات فإنَّهُم لا تَتِم لَهُم أَغراضَهُم إلا بِمُخالفة الحق وَدَفَعَه كثيرا فإذا كان العالِم والحاكِم مُحبين لِلرِياسة مُتّبعينَ لِلشَهوات لَم يَكُن لهما ذلِك إلِا بِدَفِع ما يُضادَهُ مِنَ الحَق ولا سِيَّما إذا قامَت له شُبهه فَتَتَفِق الشُبهة والشَهوة وَيثور الهوى فَيَخفى الصَواب وَينطَمِس وَجهُ الحَقِ وإِن كانَ وَجه ظاهراً لا خَفاءَ بِهِ ولا شُبهة فيه أَقدَمَ على مُخالَفَتِهِ وَقالَ لي مخرج بالتوبة وفي هؤلاء وأشباهَهُم قال تعالى:
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً } {مريم59 }.
وقال تعالى فيهم أيضاً
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } {الأعراف169}.
فأَخبَرَ سُبحانَه أنَهُم أخَذوا العَرَضَ الأدنى مَعَ عِلمِهم بِتَحريمَه عَلَيهِم وقالوا سَيُغفِر لنا وَإِن عُرِضَ لَهُم عَرضٌ آخر أخَذوه فَهُم مُصِرّونَ على ذلك) انتهى كلامه.
فلَيسَ الشأنُ في حِفظ المُتونِ ودِراسةِ العُلوم بَل الشأن لِكي يَنفَع العِلم هو زَكاة وتقوى المَحل الذي يَتَلَقى الِعلم فإِذا كانَ القَلبُ زكيّاً نَفَعَ العِلم بأذن الله وَانتَفَع بِهذا العِلم المُسلِمون.
وأَمّا إذا كانَ القَلبُ الّذي يَتَلقى العِلم قلب مُنافِق أو قلباً مريضاً فإن صاحِبَه لا بُدَ أن يَكتُمَ الحَق وَيفتري على الله الكَذِب وَيَصُدُ عَن سَبيل الله وَيَجعَل فَتواهُ وأقوالهُ غِطاءاً شرعياً لِلحُكوماتِ العَميلة لِتَبرير جرائِمَها في حَقِ الإِسلامِ وَالمُسلمين.
وَأمّا الصِفة الثالثة مِن صِفاتِ طالبِ العِلم فَهِيَ تَقوى الله تعالى وَخَشيتَهُ وَقَد قال الله تبارك وتعالى:
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } {الزمر9 }.
وقال تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } {فاطر28 }.
وَمِنَ الدلائِل على أَنَّ العاِلم يخشى الله تعالى حَقَ خَشيَتِه أن يَصدَعَ بِالحَق وَيُبَيِنَ العِلمَ لِلناس وَيَنصَح لِلأُمَّة وَلا يَخافُ لَومَ الّلائِمين مِنَ النّصارى وَالمُرتَدّيِن وَالمُنافِقينَ كما قال الله تعالى:
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً } {الأحزاب39 }.
وَمِنَ الدلائِل على خَشيةِ العاِلم للهِ تعالى أن يُجاهدَ في سَبِيلِ الله وقد قال الله تبارك وتعالى:
{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ{13} قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ{14} {التوبة 13-14}.
فإذا كَتَمَ طالِبُ الِعلم الحَق وَقَعَدَ عَنِ الجِهادِ بالنَّفسِ وَالمال وَاللسان في الوَقتِ الذي تَجتاحُ جُيُوشِ الصَّليبيّين العَديد مِن بِلادِ المُسلِمين فلا شَكَّ أنَ هذا المُنتَسِب لِلعِلمِ لَيسَ مِن أَهلِ العِلم الَّذينَ مَدَحَهُم الله في كِتابِه وَوَصَفَهُم بِكَمالِ الخَشية ِوَالخَوفِ مِنه.
وهُناك مُعَوِقات تَعيقُ طالبُ العِلم عَن النَّفِير إِلى أَرضِ الجّهاد وَأَوَلُها حُبِ الدُنيا والرّكون إِليها كما قال الله تبارك وتعالى:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} {التوبة 24}.
فَمِن ما يُعيق العَبد عَنِ النَّفِير هذه المحبوبات الثمان وهي:
الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال التي اكتسبها والتجارة التي يخشى كسادها ومِثلَه الوَظِيفة الَّتي يَخشى فَقدَها وَالمَسكَن الَّذي ارتَضاهُ وَأَلَفَهُ وَنَشَأَ فِيهِ فَيَشُق على النَّفسِ تَركَهُ وَالِابتِعادِ عَنه فَهذِه المُعَوِقات لا يَتَجاوزها وَيُهاِجر وَيُجاهِد في سَبيلِ الله إِلا مَن صَدَقَ في مَحَبَتِه لله وَحَقََّقَ التَوحِيدَ عِلماً وَعَمَلاً فَحُبِ الدُنيا وكراهية القِتال هُو الَّذي شَجَّعَ الأَعداء على التَداعي على الأُمَّة وَخَيراتِها كما قال صلى الله عليه وسلم:
(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل :يا رسول الله وما الوهن؟ قال:حب الدنيا وكراهية الموت) أخرجه أبو داود وفي رواية لأحمد (حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال)
وأما الثاني من المُعَوِقات:
فَهُوَ أَخطاء في الطَّلَب وَمِنها أَن يَشتَغِل طالبُ العِلمِ بالتكاثُر في جَمِعِ المسائِل وِحِفظِها وَيُبالِغ في ذلك حتى يُشغِلَه عَن المُسارعة في الطائعاتِ والقُربات وَعن تَحصيلِ الكَثيرِ مِن شُعَبِ الأِيمان مِن ما يكونُ سَبَباً في ضُعفِ إِيمانِه وَمَرض قَلبِه قالَ الِإمام ابن القَيّم في تفسير قوله تعالى:
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} {التكاثر/1}:
(والتَكاثُر تفاعل مِنَ الكَثرَة أَي مُكاثرةُ بَعضِكُم لِبَعض وَأَعَرضَ عَن ذِكر المُتكاثَر بِه إرادةً لإطلاقه وَعُمومِهِ وأَنَّ كُل ما يكاثر بِهِ العَبد غَيرَه سِوى طاعةِ الله وَرَسُولِه وما يَعودُ عَلَيِه بِنَفع مَعادَهُ فَهُوَ داخلٌ في هذا التَكاثُر.
فالتكاثُر في كُلِ شيء مِن مالٍ أو جاهٍ أو رياسةٍ أو نِسوةٍ أو حَديث أو علم ولا سِيَّما إَذا لم يَحتَج إليه وَالتَكاثر في الكُتُب والتَصانيف وكثرة المسائِل وتَفريعها وَتَولِيدَها) انتهى كلامه رحمه الله.
ومِنَ الأَخطاءِ في الطَّلَب أن يَرغَب طالبُ العِلم بِطَلب العِلم لِما في مقام العِلمِ والعَمَل بِه مِن دَرجَةِ الصّديقِيّة وهذا حَق ولكِن الخَطأ أن يَغفَلَ طالِبُ العِلم عَن أَن دَرَجَة الصّدِيقِيّة لا يَنَاُلها مَن قَعَدَ عَن الجِهاد الواجِب فإِنّ القُعودُ عُن الجِهاد مِن علاماتِ ضَعفِ الصِدق فَبِالجِهاد يَتَمَيّز الصادِق مِنَ الكاذِب في إيمانه.
وقد قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } {الحجرات15} .
وأمّا الثالث مِنَ المُعوِقات فَهُوَ أخطاء المُرَبِين وَمِنها تَركَهُم لِما أَوجَبَ الله عَلَيهِم مِن تَحريض الطَّلَبَة وَعُمومِ المُسلمين على الجِهاد وتَرغِيبَهُم فِيه وقد قال الله تبارك وتعالى:
{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} {النساء84}.
وَمِن أخطاء المُرَبِين أن يُرَسّخ داعِية المُرَبي في نَفسِ الطالب أَنَّ إتّباع سَلَف الأُمَّة يكون بِمُجَرَد دِراسَة وَحِفظ عَقيدة السَلَف فَقَط دونَ السَير على مَنهَجِهِم وِاتّباعِهِم في سِيرَتِهِم وَجِهادِهِم وَرُبَما وَجَدتَ الرَّجُل يَدّعي إتّباع السَّلَف وَالدعوة إِلى مَنهَجِهِم وَهُوَ في سيرَتِه وَرُكونِه إلى الدُنيا وُكُتمِه لِلحَق مِن أقربِ النَّاسِ إِلى عُلماء اليهود المَغضوبِ عَلَيهِم.
وَمِن أخطاء المُرَبين :
أن يَجعَل الدّاعِية لِنَفسِهِ طَريقاً في نُصرةِ الإسلام لا شَوكَةَ فيه، وَهُوَ طَريق لا يَخرج عَن الحُدود الَّتي أَذَنَت بِها الحُكوماتِ العَمِيلة، وَيَبقى على هذا الطّريق البَعِيد عَن الجّهادِ في سَبِيلِ الله الّذي هُوَ طَريق الأمة الوَحِيد في هذِه النّازِلَة وَالحرب الصَليبيَّة، فَهذا الطَّريق الَّذي ارتضاه لِنَفسِه الخالي مِن الجّهاد لا يَتَحَوَّل عَنه وَلَو تَغَيرَت الأحوال مِنَ السِلم إلى الحَرب ومِنَ الأمن إلى الخَوف وَالمُواجَهة وَالقِتال، بَل يَسعى لجِر الأمة إلى رَأيه الخاطئ الّذي لا يَحيدُ عَنه مَهما تَغَيّرَت الظُروف، فَقَد أَخرَج نَفسَه وأَتباعَه مِن المَعرَكَة وَالمُواجَهة وَاكتفى بَمُتابَعة أخبار المعركة عَن بُعد فَرَضيَ لِنَفسِه أن يكونَ كَمَن قال الله تعالى عنهم :
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً } {الأحزاب20}.
وَمِن أخطاءِ الدُعاة والمُرَبِين :
قُعُودَهُم عَنِ الجِهاد وأَخذَهُم بِمجارات النصارى والمُرتَدّينَ في ألفاظِهِم وَمُصطَلحاتِهِم كـ " الحُريَّة " و " الدِيمُقراطِيَّة " وَغَيرِها فَمالوا إلى ما جاء بِهِ المُبطلون الكافِرون مِن أَقوالٍ مُزَخرَفَة يَغترّ بِها وَيَنجَرّ وَرَاءَها مَن لا يُؤمِن بالآخِرة وَيقتَرِف مِن الذّنوبِ والآثام ما يَقتَرِف بِسَبَب ميَلَهُ لها وإصغائِه لقائِلِيها الَّذين زَيّنُوها بالأساليب البلاغية والألفاظ المُزخرَفَة مِن خِلالِ وسائِل إِعلامِهِم وقَنَواتِهم الفَضائِيّة، وَقَد بَيّن تعالى أن هؤلاء الّذين يُزَخرِفُونَ العِباراتِ ويَخدَعُون بِها النّاسَ لِصَدّهِم عَنِ الإسلام أَنَّهُم شياطين الإنس والجّن أعداءُ الرُسُل كما قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ{112} وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ{113} {الأنعام/112-113} .
فَكَيفَ رَضِيَ طالِبُ العِلمِ لِنَفسِه أن يُخدَع بِمُخَطَطاتِهِم وََأقوالِهم الُمزَخرَفة وَأَن يَنحازَ إلى قَنواتِهِم وإِعلامهم لا لِلصَدِع بالحَق كامِلاً وَلكِن للخَلطِ بَينَ الحَقِ والباطِل ومُوافَقَتِهِم على بَعضِ عِباراتِهِم وأَلفاظِهِم.
وِمِن هذِه الألفاظ :
كِلمة " الحُريَّة " وَهِيَ بِمَفهُومِ النّصارى والعِلمانيين المُرتَدّين :
( الانفلات مِن كُلِ التزام بِدين أو خُلق أي مُعارضةِ مبدأ طاعةِ الله ورَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم والتَمَرُّد على عُبودِيَّة الله )، فَهذِه هِي حُريَّة شياطين الإنس مِنَ الأمريكان وَمَن اتَّبَعَ ديمُقراطيَتَهُم وَحُريَتَهُم، وَهُم في الحَقيقِةِ لَيسوا بأَحرار بَل هُم أَسرى بأَيدي شياطين الجِن وَجُنودٌ لَهُم يُسَيِرونَهَم في مُحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } {مريم83 } وقال تعالى:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } {الزخرف36 }.
كما أن هؤلاء المُتَمِردين على عُبودِيَّة الله قَد وَقَعوا في عُبودِيّة أهوائِهِم وَفي عَبودِيّة الشَياطَين وَالبَشَر المُشَرعينَ لَهُم والقوانين الوضعية وغيرها من الطواغيت التي تمرّغوا في عبوديتها.
ولا يَتَحَرَّر العَبد مِن عُبودِيّة الطواغيت إلا بتوحيد الله وإخلاص الدِين لَهُ فالإسلام جاء بِالعُبوديَّة وَلَم يجيء بالحُريَّة الغَربِيَّة لأن العُبودِيَّة هِيَ الغاية الّتي خَلَق الله العِباد لأجلِها، كما قال تعالى :
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } {الذاريات56 }.
فالله تعالى خَلَقَنا لِعبادَتِه وَحدَهُ لا شَريكَ لهَ فإَذا انطَلَق صاحِبُ العِلمِ في دَعوَتِه وفي مُناظراتِه للمُرتَدّين والمُنافِقينَ مِن هذه الآية طالبا مرضات الله تعالى فَلَن يَضَل في قَولِه وَدَعوَتِه وَمَنهَجِهِ.
وأمّا إذا غَفَل عَنِ الغاية الَّتي خُلِقَ الخَلقُ لأجلِها وَحاولَ إِرضاء القُرّاء وَالمُشاهدِين مِنَ النَّصارى أَو العِلمانيين أَو المُنافِقين، فَلا شكّ أَنَه سَوفَ يَضِلّ وَيُدخِلَ في دينِ الله ما ليسَ مِنه مِن مُصطلحاتِ النّصارى المُزَخرَفَة كـ " الحُريَّة " و " الديمُقراطِيَّة " و " حُقوق الإنسان " وغيرها.
فالواجب على أهل العِلم أن يَتَحيّزوا لإخوانِهِم المُجاهدين وَيَنصُروهم بَدَلاً مِن مُداهَنة وَمُجاملة أعداءِ الله مِن الكافِرينَ والمُنافِقينَ وَالتَقرُبِ إِليهِم بِالطّعِنِ بالمُجاهدين وَلَمزِهِم.
فإن صاحِب العِلم إِذا داهَن أعداءِ الله وابتَعَدَ عَن المُجاهدين والصّالِحين فَقَد فرَّق النّاسَ مِن حَولِه وَفََقَد طَريق القوةِ والعِزَّة والجِهاد، وبِهذا يَكُون قَد خَسِرَ دَعوَتَه وأَضعَفَ قُوَته وأَذَلَ نَفسَه أَمامَ الكافِرينَ وَالحُكوماتِ العَميلة فأصبَحَ مُعَلَّقاً لا هُو في صَفِ المُجاهِدين يُجاهِد مَعَهُم وَيَنصُرَهُم ولا هُوَ مَعَ الحُكومات العَميلة الَّتي لا تُوافِقَه على كُلِ ما يدعوا إليه.
فإذا بَلَغ طالِب العِلم إلى هذهِ الحالة مِنَ الهزيمة والضُعف فلا بأس عند الكافرين والمنافقين حينئذ أن يستقبل في وسائل إعلامهم بعد أن أبدى شيئا من التنازل وقد قال الله تبارك وتعالى :
{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً{75}{الاسراء 73-75}.،
وقال تعالى :
{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ{49} أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{50} {المائدة/49-50} .
فَيَكفِي الأمة مِنَ العالِم ثَباتَه على الحَق وجِهادَهُ وَلَو كان سَجينًا أَو قَدّ سُدَّت أَمامَهُ طُرُق الدعوة وحُبِسَ في بَيتِه، فإِنَّ كَلِمَة حَقٍ تَخرُج مِنه أو قُصاصَةَ وَرَقٍ يَنصَحُ فيها الأمة ويُحرِضُها على الجِهاد تكفي لاستجابَةِ الأمة لهُ والتفَافَها حَولَهُ.
وأمّا إذا لم يثبت على الحق والصدع به والجهاد في سبيل الله وداهَنَ أعداءِ الله فَقَد خَسِر دَعوَتَه وَلَم تَنفَعَه في هذه الحالة كُثرة وسائِله الدَعَوِيَّة والإعلامية بَعدَ أَن فَقََدَت الأمة ثِقَتَها بِه.
فَالواجِب على طَلَبِة العِلم وعَلى الشَباب وَعَلى غَيرهِم مِن الرّجال القادِرينَ أَن يَنفُروا لِنُصرة إِخوانِهم في أرض الجِهاد حَتى تَحصل الكِفاية مِن أهل العِلم ومِن المُجاهِدين.
كما يجب على المُسلمين أن يجُاهِدوا بأَموالِهم في سَبيِل الله تعالى ويَنصُروا إِخوانَهُم ولا يَستَجِيبوا لِضغوطِ أعداءِ الله مِنَ النّصارى واليَهود وعُمَلائِهِم في المَنطَقة الَّذين يَسعَونَ لِمَنعِ الجِهاد بالمال.
الشهيد بإذن الله أبو عمر السيف
المصدر: بدر سنتر
كفكاز سنتر