يعتبر الجنرال جوهر دوداييف هو مؤسس الشيشان الحديثة، وأول من لفت الأنظار إلى القضية الشيشانية في مطلع التسعينيات.
ظلمه الاحتلال الروسي، ولقبته روسيا بالقائد العاصي؛ بسبب رفضه لقمع حركات الاستقلال في جمهوريات البلطيق.
جوهر دوداييف .. مولده ونشأته
ولد جوهر دوداييف في إبريل عام 1944م، في قرية "يالهو" الواقعة في جمهورية الشيشان، وكانت عائلته ضمن العائلات التي هُجِّرت إلى سيبيريا عام 1944م، وكان حينها لا يزال طفلاً رضيعًا لا يتعدى أيامًا معدودات.
عاش دوداييف سنوات طفولته في ظروف صعبة في قرى سيبيريا القاحلة، حيث أتم هناك مرحلة التعليم المتوسط، ثم تخرج عام 1962م في كلية تامبوت العسكرية العليا للطيران، وعام 1966م تخرج في كلية الطيران البعيد المدى وإعداد الطيارين الجويين والمهندسين، وأتم التحصيل الدراسي في أكاديمية جاجادين للطيران الحربي سنة 1974م، وحاز على درجة قبطان أول ومهندس، ومنحته الحكومة الروسية وسام شرف، وترقى لرتبة فريق.
وكان دوداييف أول مسلم يحصل على درجة ومنصب قائد 12 لفرقة عسكرية في القوات الجوية السوفيتية.
جوهر دوداييف رئيسًا
وفي عام 1990م دُعي دوداييف لحضور اجتماع مجلس الشورى الشيشاني، وقد تم انتخابه لرئاسة هذا المجلس الذي تحول اسمه فيما بعد ليصبح الكونجرس الشيشاني القومي، وقد ساند جوهر دوداييف جورباتشوف لدى محاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت ضده، وقد ترأس الحركات القومية التي قامت لإسقاط حكومة جمهورية الشيشان أنجوشيا، والتي كانت قد تعاونت مع أولئك الذين حاولوا إسقاط حكومة جورباتشوف.
دعمت القوى الديمقراطية والمتنورون وسائر شعب الشيشان جوهر دوداييف الذي انتخب رئيسًا للشيشان بناء على الانتخابات العامة التي جرت 1991م، وحصل فيها على نسبة 85%، وقد جرت الانتخابات تحت إشراف 27 دولة أكدت نتائجها ونزاهتها.
جوهر دوداييف .. القائد العاصي
وردًّا على حركة الإبادة والاحتلال التي شنتها روسيا ضد الجمهورية الشيشانية بتاريخ 1994م، نادى دوداييف في الشعب الشيشاني بالجهاد قائلاً: "لن يدخل الروس بلادنا ما دُمنا أحياء".
ولقبته روسيا بالقائد العاصي، وكان هذا قبل تسلمه الرئاسة في جمهورية الشيشان؛ إذ كان قد تلقى أوامر من موسكو للقيام بعملية في القوات الجوية الإستراتيجية في بلدة بإستونيا لقمع حركات الاستقلال التي بدأت في دول البلطيق عن طريق استخدام القوة العسكرية، ولكنه رفض الانصياع لهذه الأوامر قائلاً: "لا أحارب قط شعبًا يناضل من أجل استقلال بلاده".
فقامت موسكو التي لم تتحمل عصيانه ذاك بنفيه مع قوته العسكرية إلى جروزني، وفي عام 1990م قدَّم دوداييف استقالته من منصبه، ولم تكن تعلم روسيا أن هذا القائد العاصي سيقود ضدها حركات ثورية في المستقبل.
جوهر دوداييف والتحالف مع المقاومة
بعد أن استقال من الخدمة العسكرية في أوائل عام 1991م عاد جوهر دوداييف إلى الشيشان، وانضم إلى حركة المطالبة باستقلال بلاده عن جمهورية روسيا الاتحادية، وهذا المطلب كثيرًا ما كان يلح في نفس جوهر دوداييف، وانتخب رئيسًا للجنة التنفيذية للمؤتمر القومي الشيشاني في مارس عام 1991م، وساند الحركة الانقلابية التي قادها الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين في 19 أغسطس 1991م، والتي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ووقف دوداييف ضد السكرتير الأول للحزب الشيوعي في الشيشان، واستطاع إقالته.
كان دوداييف يقظ الذهن، وصاحب نظرة صائبة، حيث اعتمد على الصلاحيات التي كفلها له منصبه على رأس المؤتمر القومي الشيشاني العام، لإقالة حكومة ذوكوذا فجاييف، آخر حكومة شيعيَّة في الشيشان في سبتمبر 1991م، وكان هذا بدعمٍ وتأييد من الكرملين، ومن بوريس يلتسين نفسه.
ومنذ انتخابه رئيسًا للشيشان، بادر دوداييف إلى تنظيم شئون البلاد، فأجريت أول انتخابات برلمانية في الجمهورية المستقلة، وشُكِّلت أول حكومة برئاسته خلال عام 1992م، كما شُكلت محكمة خاصة تدير شئون القضاء في الشيشان، ووضع أول دستور للبلاد. كما عمل دوداييف على تحقيق انفصال بلاده عن روسيا الاتحادية، فبادر إلى تصفية الوجود السوفيتي في الشيشان، حيث أصدر قرارًا بالاستيلاء على مستودعات السلاح الروسية الضخمة الموجودة في البلاد، وأمر بمحاصرة الحاميات العسكرية الروسية، والتضييق عليها؛ لحملها على مغادرة الشيشان، وقد تم ذلك بالفعل خلال الفترة من مايو إلى يوليو 1992م.
جوهر دوداييف وتأسيس جيش قوي
وأمام اعتراض الكرملين على انفصال الشيشان عن روسيا الاتحادية، وإرساله قوات عسكرية إلى هناك لغرض حالة الطوارئ في البلاد، بدأ دوداييف بتشكيل وحدات الجيش الشيشاني المستقل، وتدريب عناصرها التي بلغ عددها 15 ألف مقاتل؛ للدفاع عن استقلال الشيشان، وسلامة أراضيه.
في عام 1994م، أعلن يلتسين قرار شن الحرب على الشيشان، وعزا الباحثون إقدام يلتسين على هذا القرار برغبته في مغازلة الشعور القومي الروسي من ناحية، ومحاولة إظهار روسيا على أنها ما زالت دولة عظمى، وتستطيع الحفاظ على الاتحاد السوفيتي من ناحية ثانية، إضافةً إلى الطمع الروسي في السيطرة على ثروات النفط في الشيشان، كما كان يلتسين يرى في الحرب وسيلة مناسبة تساعده في تغطية فشله في علاج الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا.
وقد ذكر الصحفيون أن دوداييف ارتدى الكفن استعدادًا للدفاع عن استقلال الشيشان، بعد أن علم بصدور مرسوم يلتسين بدخول الجيش الروسي إلى الشيشان، وحذر دوداييف القوات الروسية حينها قائلاً: إن أفغانستان ليست سوى نزهة مريحة أمام ما ستلقونه في الشيشان.
وفي ديسمبر 1994م زحفت قوات روسية قوامها 410 ألف جندي على ثلاث جبهات، تدعمها أسلحة الدمار من المدفعية والراجمات والطائرات إلى الشيشان؛ بحجة إعادة الأمن. وهكذا بدأت حملة إبادة جديدة ضد الشعب الشيشاني.
تكلل النضال الذي خاضه الشعب الشيشاني على مدى عامين متتاليين بزعامة دوداييف، بإحراز النصر، وإجلاء الروس عن الأراضي الشيشانية، ولم يرض الروس بهزيمتهم في الشيشان، فقاموا بتدبير عملية اغتيال استشهد فيها قائد الحرية الشيشانية جوهر دوداييف في إبريل عام 1996م، إلا أنه اعتبر المؤسس الحقيقي لدولة الشيشان الحديثة.